[المعلم : فتح كساب
أثار اعتصام المعلمين قبل أسابيع في الأردن لغطاً بين المواطنين والمعلمين من جهة والحكومة ومُحلليها وأحزابها وأنصارها من جهة أخرى.
الغريب في وسط هذا اللغط ردود أفعال بعض الأحزاب الوظيفية التي لا تظهر إلا عندما تبرز بارقة أمل من أجل إصلاح أو تغيير حقيقي قد يحصل في المدى المنظور أو غير المنظور، إذ تظهر هذه الأحزاب بآرائها الجاهزة من أجل إحباط أي بادرة إيجابية قد تُسهِم في بناء وطن المُواطَنة والفُرص المتكافئة.
وحتى يكون الحديث موضوعياً، يجب العودة إلى جذور الموضوع من أجل إيضاح الأمور.
كانت نقابة المعلمين موجودة وفاعلة في الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أنه تم حلُها في نهاية تلك الفترة (عام1957) مع إعلان حالة الطوارىء. ومع عودة الانفراج السياسي عام 1989 بقيت النقابة طي النسيان، لا بل تم القضاء على أي أمل بعودتها بتاريخ 4/6/1994 حينما أصدر المجلس العالي لتفسير الدستور فتواه الشهيرة بعدم دستورية إنشاء نقابة للمعلمين؛ وتكوَّن المجلس يومها من كل من السادة التالية أسماءهم :
( رئيس المجلس العالي رئيس مجلس الأعيان أحمد اللوزي، عضومجلس الأعيان زيد الرفاعي، عضو مجلس الأعيان مضر بدران، رئيس محكمة التمييز فايز مبيضين، عضو محكمة التمييز أحمد الطراونة، قاضي محكمة التمييزعبد الكريم معاذ)
بالعودة إلى الاعتصام، أعتقد أن مجرد الاعتصام كان كسراً لحاجز الخوف وهذا إنجاز بذاته لفئة ظلت لعقود تحت سوط الإفقار والتهميش للقضاء على دورها الريادي تاريخياً في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي وما قبلها وما بعدها؛ لكن عدم قدرة المعلمين على العمل الاحتجاجي الحقيقي الذي قد يُفضي إلى إنجازات حقيقية ناتج عن أسباب موضوعية، من وجهة نظري، يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: أن انقطاعاً دام ما يقرب من الخمسين عاماً عن العمل العام، قاد إلى وجود مجموعات من المعلمين غير قادرة على العمل التنظيمي المتناسق ذي النفس الطويل، وذلك لانعدام التجربة الشخصية في هذا المجال إضافة إلى عدم وجود هيكلية حزبية حقيقية تستطيع العمل مع كل شرائح المجتمع المدني وتقدم المساندة لها في حال طُلِبت منها. ومما لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن الأشكال التنظيمية الشائعة للأحزاب تربيتنا المدرسية والبيتية القائمة على الضرب والقمع التي لا تستطيع خلق شخصية قيادية قادرة على القيادة والتنظيم.
ثانياً: الإجحاف والجحود من جانب ما يُسمى أحزاب المعارضة في الأردن، والتي قامت كل مظاهراتها واحتجاجاتها في الخمسينيات على أكتاف المعلمين والطلبة، حيث هجرت تلك الأحزاب المعلم واستبدلته بالقيادي الطبيب أو المهندس لأغراض الوجاهة والشهرة. ولكن على نفسها جنت براقش، فقد فقدت تلك الأحزاب كل اتصال حقيقي مع الجماهير مما أدى إلى عزلها وتهميشها لدرجة أنها أصبحت لا تُمثل أكثر من واجهة تجميلية أمام الكاميرات ولكنها جميعاً لا تساوي على أرض الواقع أكثر من الحبر الذي تصوغ به بياناتها.
ثالثاً: العمل المُنظَم والمُمنهج لتهميش دور المعلمين وعدم وضع البرامج التي تـطورهم وترتقي بهم ليرتقي معهم المجتمع، فقد ثابرت الحكومات المتلاحقة من أجل ذلك، كما ثابرت من أجل وضعهم ضمن الفئة الأفقر، كل ذلك جعل المعلم مشغولاً برغيف خبزه (الذي لا يستطيع تأمينه بشكل دائم) وصرفه عن الهم العام ودوره الريادي الذي يفترض أن يقوم به خدمةً لوطنه.
كان الأمر الأكثر إضحاكاً في ردود الأفعال تجاه اعتصام المعلمين تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة من" تهديد ووعيد وارتباط بأجندات واندساس في ............ الوطن".
السؤال الذي يُلح على الطرح هو: ألا يَمل المسؤولون أو يخجلوا من ترديد تلك الأسطوانة الجاهزة عند تعرضهم للانكشاف والإحراج؟
من هو الذي يتلقى الدعم الخارجي ويكدسه في حسابات بنكية سرية وعلنية؟ من الذي يتلقى الهبات والمِنح من USAID وغيرها (لتطوير الإعلام)؟
نحن أصحاب أجندات وطنية 100% ولا نتلقى معوناتٍ أو مِنحًا من أحد يا "صاحب المعالي" وكل همنا أبناؤنا الطلبة والارتقاء بمستواهم العلمي والفكري وتعزيز انتمائهم للوطن ليحققوا ما عجزنا عن تحقيقه من عزة وكرامة وديمقراطية ومواطَنة حقيقية.
أما وزير التعليم فأقول له:
" إما أنك كنت كبش فداء أو أن العمر له أحكامه يا ( صاحب المعالي)" .
إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
5/4/2010[/font][size=[/size]18][/size][/size]